[size=18]
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا:
أما بعـــد:
فهذه هي الحلقة الأولى من حلقات مذاكرة جمع الجوامع في أصول الفقه في هذا المنتدى المبارك، نفع الله بها جامعها وقراءها، وجمعنا دائما على الخير، ورزقنا العلم النافع، والعمل الصالح.
الحلقة الأولى
في مقدمات فن أصول الفقه
من المعلوم أن لكل فنٍّ مقدماتٍ، كما أن لكل كتاب مقدمتَهُ؛ فمقدمات كلِّ فنٍّ تتعلق بالتعريف بذلك الفنِّ، ومقدماتُ الكتاب تُعنَى بالتعريف بالكتاب موضوعِ التصنيف؛ لذلك فإن هذه المقدماتِ منحصرة في أربع مقدمات؛ ثنتانِ منهما مَعْنِيَّتَانِ بالتقدمة لفنِّ الأصول، والأخريان مَعْنِيَّتَانِ بمحاولة إفادة تصور واضح عن ((جمع الجوامع)): التعريفِ بمصنِّفِهِ، وسببِ اختصاص هذه المذاكرة به، وقيمتِهِ في موضوعه:
أولا: مقدمات فن أصول الفقه:
المقدمة الأولى: في التعريف بعلم أصول الفقه وبيان مدى الحاجة إليه:
إن الله - عز وجل - امتنَّ على هذه الأمة؛ فأكمل لها أمرَ دينِها، وأتم عليها نعمته، ورضي لشريعتها أن تكون الشريعةَ الخاتَِمةَ العامَّة المهيمنة على تصرُّفات خلقه إلى قيام الساعة، في الزمان، والمكان، والأشخاص، والأحوال، وحتى تكون هذه الشريعةُ خاتمةً مهيمِنَةً على الشرائع قَبْلَهَا، وافيةً بأحكام الوقائع إلى قيام الساعة ـ: حتى يكون ذلك كلُّه؛ شَرَعَ الله للطائفة المصطفاة من هذه الأمة ـ وهم علماؤها، وأهلُ الحَلِّ والعَقْدِ فيها ـ الاجتهادَ في تنزيل النصوص على الوقائع؛ للوصول إلى حكم ما يستجِدُّ وقوعُهُ؛ فإن لله عز وجل في كل واقعة حُكمًا، وفي كل نازلة أمرا؛ {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
وإذا كان الاجتهادُ هو: ((بَذْلَ الجهد في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية))، فإن فيه مساحةً كبيرةً لإعمال العقل في تكييف النوازل؛ لتخريجها على أصل يَصِحُّ اندراجُها تحتَهُ، أو على فرعٍ منصوصٍ عليه، يُوَافِقُهُ في مناط الحكم؛ فينسحب حكم ذلك الفرعِ المنصوصِ عليه على ما يُراد تخريجُهُ؛ للحكم عليه، بما يغلب على ظن المجتهد أنه حكم الله فيه.
والعقول - مع ذلك - متفاوتة فيما قَسَمَ الله - عز وجل - لها من قدرات على الإحاطة بمناطاتِ الأحكام ومناسباتِ التكاليف، والإلمامِ بمقاصد الشارع منها، وهي متفاوتة كذلك في فهم النصوص الشرعية، وإدراك غاياتها، والإحاطة بأهدافها ومراميها ـ: فكان من الضروري ـ نتيجة ذلك كلِّه ـ وضعُ قواعدَ للاجتهاد؛ تكون مناراتٍ وصُوًى تنير للمجتهد طريقه، وتعصم ذهنه من الشطط والخروجِ عن الطريق القويم، الموصِّل إلى إدراك حكم الله في الوقائع؛ من هنا التفتت أنظار المجتهدين إلى ضرورة وضع تلك القواعد الجامعة الحاكمة لاجتهاد المجتهدين؛ ذلك كان هو الداعِيَ إلى وضع علم أصول الفقه.
يضاف إلى ذلك تناهي النصوص ومحدوديتها، مع اتساع النوازل وعدم تناهيها؛ فأحال الشارع الحكيم إلى ما يوسع موارد الأدلة ويبسط مواعين الاجتهاد؛ فأحال إلى الأصول العامة والقواعد الكلية التي يستطيع المجتهد ـ بإعمالها ـ الوصولَ إلى أحكام النوازل؛ كتحكيم القياس، واعتبار المصالح المرسلة، وسد الذرائع، وتحكيم العرف، واعتبار مآلات الأفعال ونتائج التصرفات،،، وغيرها من القواعد الأصولية.
ولَمَّا كان أصول الفقه علما يُعْنَى بأدلة الأحكام والعوارض الذاتية لتلك الأدلة؛ لذلك كانت موضوعات أصول الفقه وأقسامه الكبرى لا تخرج عن اعتبار أدلة الفقه وعوارضها؛ فتنوعت - تبعا لذلك – إلى خمسة أقسام:
ـ قسم الأحكام: وهو يمثل مقدمة أصول الفقه.
ـ قسم الأدلة: وهذا القسم في الحقيقة هو أصول الفقه بالأصالة، وما سواه مندرج في فنِّ الأصول بالتبعية والمُلابَسَة.
ـ قسم دَلالات الألفاظ وطرق استنباط الأحكام من النصوص.
ـ قسم التعارض والترجيح.
ـ قسم الاجتهاد والتقليد.
وسيأتي تفصيل القول في هذه الأقسام ومدى استحقاق دخولها في علم الأصول، وهل دخولها فيه ذاتيٌّ أو عرضيٌّ؟
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
[/size]بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا:
أما بعـــد:
فهذه هي الحلقة الأولى من حلقات مذاكرة جمع الجوامع في أصول الفقه في هذا المنتدى المبارك، نفع الله بها جامعها وقراءها، وجمعنا دائما على الخير، ورزقنا العلم النافع، والعمل الصالح.
الحلقة الأولى
في مقدمات فن أصول الفقه
من المعلوم أن لكل فنٍّ مقدماتٍ، كما أن لكل كتاب مقدمتَهُ؛ فمقدمات كلِّ فنٍّ تتعلق بالتعريف بذلك الفنِّ، ومقدماتُ الكتاب تُعنَى بالتعريف بالكتاب موضوعِ التصنيف؛ لذلك فإن هذه المقدماتِ منحصرة في أربع مقدمات؛ ثنتانِ منهما مَعْنِيَّتَانِ بالتقدمة لفنِّ الأصول، والأخريان مَعْنِيَّتَانِ بمحاولة إفادة تصور واضح عن ((جمع الجوامع)): التعريفِ بمصنِّفِهِ، وسببِ اختصاص هذه المذاكرة به، وقيمتِهِ في موضوعه:
أولا: مقدمات فن أصول الفقه:
المقدمة الأولى: في التعريف بعلم أصول الفقه وبيان مدى الحاجة إليه:
إن الله - عز وجل - امتنَّ على هذه الأمة؛ فأكمل لها أمرَ دينِها، وأتم عليها نعمته، ورضي لشريعتها أن تكون الشريعةَ الخاتَِمةَ العامَّة المهيمنة على تصرُّفات خلقه إلى قيام الساعة، في الزمان، والمكان، والأشخاص، والأحوال، وحتى تكون هذه الشريعةُ خاتمةً مهيمِنَةً على الشرائع قَبْلَهَا، وافيةً بأحكام الوقائع إلى قيام الساعة ـ: حتى يكون ذلك كلُّه؛ شَرَعَ الله للطائفة المصطفاة من هذه الأمة ـ وهم علماؤها، وأهلُ الحَلِّ والعَقْدِ فيها ـ الاجتهادَ في تنزيل النصوص على الوقائع؛ للوصول إلى حكم ما يستجِدُّ وقوعُهُ؛ فإن لله عز وجل في كل واقعة حُكمًا، وفي كل نازلة أمرا؛ {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}.
وإذا كان الاجتهادُ هو: ((بَذْلَ الجهد في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية))، فإن فيه مساحةً كبيرةً لإعمال العقل في تكييف النوازل؛ لتخريجها على أصل يَصِحُّ اندراجُها تحتَهُ، أو على فرعٍ منصوصٍ عليه، يُوَافِقُهُ في مناط الحكم؛ فينسحب حكم ذلك الفرعِ المنصوصِ عليه على ما يُراد تخريجُهُ؛ للحكم عليه، بما يغلب على ظن المجتهد أنه حكم الله فيه.
والعقول - مع ذلك - متفاوتة فيما قَسَمَ الله - عز وجل - لها من قدرات على الإحاطة بمناطاتِ الأحكام ومناسباتِ التكاليف، والإلمامِ بمقاصد الشارع منها، وهي متفاوتة كذلك في فهم النصوص الشرعية، وإدراك غاياتها، والإحاطة بأهدافها ومراميها ـ: فكان من الضروري ـ نتيجة ذلك كلِّه ـ وضعُ قواعدَ للاجتهاد؛ تكون مناراتٍ وصُوًى تنير للمجتهد طريقه، وتعصم ذهنه من الشطط والخروجِ عن الطريق القويم، الموصِّل إلى إدراك حكم الله في الوقائع؛ من هنا التفتت أنظار المجتهدين إلى ضرورة وضع تلك القواعد الجامعة الحاكمة لاجتهاد المجتهدين؛ ذلك كان هو الداعِيَ إلى وضع علم أصول الفقه.
يضاف إلى ذلك تناهي النصوص ومحدوديتها، مع اتساع النوازل وعدم تناهيها؛ فأحال الشارع الحكيم إلى ما يوسع موارد الأدلة ويبسط مواعين الاجتهاد؛ فأحال إلى الأصول العامة والقواعد الكلية التي يستطيع المجتهد ـ بإعمالها ـ الوصولَ إلى أحكام النوازل؛ كتحكيم القياس، واعتبار المصالح المرسلة، وسد الذرائع، وتحكيم العرف، واعتبار مآلات الأفعال ونتائج التصرفات،،، وغيرها من القواعد الأصولية.
ولَمَّا كان أصول الفقه علما يُعْنَى بأدلة الأحكام والعوارض الذاتية لتلك الأدلة؛ لذلك كانت موضوعات أصول الفقه وأقسامه الكبرى لا تخرج عن اعتبار أدلة الفقه وعوارضها؛ فتنوعت - تبعا لذلك – إلى خمسة أقسام:
ـ قسم الأحكام: وهو يمثل مقدمة أصول الفقه.
ـ قسم الأدلة: وهذا القسم في الحقيقة هو أصول الفقه بالأصالة، وما سواه مندرج في فنِّ الأصول بالتبعية والمُلابَسَة.
ـ قسم دَلالات الألفاظ وطرق استنباط الأحكام من النصوص.
ـ قسم التعارض والترجيح.
ـ قسم الاجتهاد والتقليد.
وسيأتي تفصيل القول في هذه الأقسام ومدى استحقاق دخولها في علم الأصول، وهل دخولها فيه ذاتيٌّ أو عرضيٌّ؟
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل